رواية ( جفرا )
الحلم الذي خرج من تحت الرماد .
مدير عام مقهى جفرا السيد زكريا لصوي في لقاء خاص مع لغة القهوة يقول …
– جفرا .. كالعنقاء خرجت من تحت الرماد فأضاءت سماء عمان العتيقة.
– لم تكن جفرا مجرد أسطورة .. بل قصة عشق ولدت من رحم التغريبة .
– سر نجاح جفرا لا يكمن في ديكور المقهى .. بل يكمن في فكرة و فلسفة جفرا .
– جفرا ليس مجرد مقهى .. بل أصبح جزء من تاريخ وتراث العاصمة عمان .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جفرا .. ذلك المقهى الواقع في وسط مدينة عمان العتيقة , حيث التاريخ و التراث وقصص العابرين, ورواية عشق لم تكتمل بعد . في أرجاء المكان تكمن رائحة القهوة المسافر مع صوت فيروز فتتلاشى المسافات واللغة ليغني الشعر …
“جفرا” أمي، إن غابت أمي
جفرا الوطن المسبي
الزهرة والطلقة
والعاصفة الحمراء
“جفرا” إن لم يعرف من لم يعرف
غابة زيتون ورفيق حمام
وقصائد للفقراء
“جفرا” من لم يعشق “جفرا”
فليدفن رأساً في الرمضاء .
في هذه الأجواء الساحرة التي تعكس روح المكان وثقافته كان اللقاء مع السيد زكريا لصوي ( ابو رامي) مدير عام مقهى جفرا الذي أجرينا معه حوار خاص على مدار ثلاث ساعات ليحدثنا فيها عن أسطورة مقهى جفرا وعن سر نجاحه وكيف أصبح مقهى جفرا معلم من معالم عمان العتيقة ومزار يقصده السياح من جميع أرجاء العالم رغم حداثته فكان هذا الحوار الذي اتسم بالمودة والألفة …
– في البداية نود أن نشكرك على حُسن استقبالك وكرم ضيافتكم كما يشرفنا إجراء هذا الحوار مع شخصكم الكريم .
-أهلا وسهلا بك عزيزي في أي وقت ويسعدني أن أتواجد معكم على صفحات موقعكم لغة القهوة .
– حدثنا في البداية عن مقهى جفرا .
– سأحدثك يا عزيزي عن( رواية ) جفرا وبدايتها لتكتمل لك الصورة من كافة جوانبها , فهي ليست مجرد قصة تروى أو قصيدة تلقى ..
– كلي آذان صاغية ..
– كانت البداية منذ سبعة أعوام تقريبا حيث راودت الفكرة عزيز المشايخ صاحب فكرة مقهى ( جفرا) ذلك الإنسان البسيط الذي دفعه عشقه لمدينة عمان القديمة للبحث عن طريقة تعيد لوسط العاصمة تألقها وتاريخها وثقافتها وخصوصا بعد هجرة الكثير من مثقفيها وأدباءها وتجارها إلى أطراف عمان الحديثة , وكما هو متعارف عليه أن مقاهي عمان في فترة الأربعينيات و الخمسينيات كانت ملتقى الشعراء والأدباء والفنانين و رجال السياسة ومن هنا بدأت الفكرة .. لماذا لا نعيد للمقهى رونقه وروحه القديمة التي اشتهرت بها مقاهي عمان التاريخية مما يدفع مثقفي وأدباء وسياسي عمان الذين هجروها إلى العودة مرة أخرى لعمان القديمة ( وسط البلد ) وبالتالي إعادة إحياء وسط عمان . فكان لا بد من البحث عن مكان في وسط العاصمة وفي قلب المدينة بالتحديد لإقامة هذا المشروع .
هذا المكان الذي نجلس فيه الآن كان عبارة عن عمارة مهجورة آيلة للسقوط قمنا باستئجاره وترميمه على مدار ثلاثة أعوام وكما تلاحظ أن المكان يتسم بالبساطة و الديكورات المتواضعة جدا .
– اعتذر على المقاطعة .. ولكن حديثك عن الديكور يدفعني لطرح هذا السؤال ..فقد لاحظت وجود بعض المقاهي والمطاعم التي انتشرت في الآونة الأخيرة تحمل نفس الطابع الخاص بجفرا من حيث الديكور التراثي و تلك المقاهي تقع بجوار مقهى جفرا بالتحديد ألا ترى أن هذه المقاهي قد تؤثر على نجاح جفرا؟
– سؤالك في محله وربما سنح لي هذا السؤال الفرصة في أن اهمس في أذن أي شخص يحاول تقليد جفرا أن سر نجاح جفرا لا يكمن في ديكور المقهى ولكن يكمن في فكرة جفرا وفلسفته الخاصة . نحن نتمنى النجاح والتوفيق للجميع ولكن نتمنى أيضا أن لا يكون نظرة أصحاب تلك المقاهي نظرة مادية فقط بل نظرة ثقافية و تراثية أيضاً . ففي جفرا مثلا تقام أمسيات شعرية وثقافية وفنية على مدار الأسبوع ويقصد المكان كثير من الأدباء و الشعراء المغمورين حيث وجدوا مساحة حرية يطرحون فيها أعمالهم الخاصة وفي غضون عام سيتم الانتهاء من مشروع المسرح ودار سينما جفرا تعرض فيهما الأعمال الهادفة فقط, إضافة للمكتبة المتواضعة التي يحتويها المكان والذي نطمح في تحديثها خلال الفترة القادمة إن شاء الله . كل هذه الفعاليات تتميز به جفرا فقط أما المقاهي الأخرى للأسف فقد اقتبست قشرة المكان وليس قلبه .
– إذن يمكننا القول أن مقهى جفرا ليس مجرد مقهى عادي تقدم فيه المشروبات والمأكولات فقط بل يعتبر منبر ثقافي ونبراس للمثقفين والأدباء .
– نعم مع ذكر أن المكان أيضا لا يقتصر على هذه الشريحة فقط بل هو مقهى عام ترتاده جميع شرائح المجتمع ولكن أساس فكرته بنيت على هذه الفلسفة .
– أستاذي الفاضل ربما يجهل البعض معنى ( جفرا ) رغم أنني اعلم بأنها كلمة تردد في الأغاني التراثية و الوطنية الفلسطينية كــ…
– جفرا يا هالربع نزلت على العين …جرتها فضة وذهب وحملتها للزين
جفرا يا هالربع ريتك تقبرينــي … وتدعسي على قبري يطلع ميرامية
فهل يمكنك شرح معنى جفرا وما سر هذه الأسطورة وسبب اختياركم لهذا الاسم؟
– جفرا ليست أسطورة بل هي قصة واقعية وقعت أحداثها في الثلاثينيات من القرن الماضي في قرية اسمها “كويكات” في الجزء الشرقي من سهل مدينة عكا الفلسطينية وأصل القصة كما ورد على لسان المؤرخين ان هناك شاعر أسمه “أحمد عبد العزيز علي الحسن” وقد عرف الشاعر بين أبناء القرية باسم “أحمد عزيز” كان عزيز قوي البنية مفتول العضلات ويحترف قول العتابا والزجل الشعبي , تقدم عزيز إلى ابنة عمه وطلبها للزواج حيث كان مغرم بها وقد أجبرت على قبول الزواج منه ولكن بعد أيام صارحته بعدم رضاها وحرصا منه على سمعتها قرر أن يطلقها بعد مرور بعض الوقت وتم ذلك بالفعل بعد ذلك بفترة تزوجت من ابن خالتها .رغم ذلك ظل أحمد عزيز متمسك بها وبحبه الذي لم يكتمل وراح يتغنى بالأشعار والقصائد التي تصور حالة عشقه ولكي لا يتم تداول اسم ابنة عمه على لسان الغرباء أطلق عليها اسم “الجفرا” فلم يكن اسما بطبيعة الحال، وإنما لقب أطلقه الشاعر “أحمد عبد العزيز علي الحسن” عليها تشبيها لها بابنة الشاة الممتلئة الجسم. أما عن سبب اختيارنا لأسم جفرا فالسبب يعود لارتباط قصة جفرا بالتراث والأدب الفلسطيني وفي الحقيقة لم يكن لنا في البداية هذه النظرة الشاملة للاسم حتى قام الشاعر الدكتور عز الدين المناصرة صاحب قصيدة جفرا الشهيرة بسرد هذه القصة وتعرفيها لنا بشكل مفصل و قصيدة جفرا للشاعر المناصرة من اشهر القصائد الفلسطينية والتي تغنى بها الفنان مارسيل خليفة في أغنية جفرا ..
– “جفرا” أمي، إن غابت أمي
جفرا الوطن المسبي
الزهرة والطلقة
والعاصفة الحمراء
“جفرا” إن لم يعرف من لم يعرف
غابة زيتون ورفيق حمام
وقصائد للفقراء
“جفرا” من لم يعشق “جفرا”
فليدفن رأساً في الرمضاء .
– يقال أن مقهى جفرا ضد الحداثة وعدم التطوير كما انه ضد النمط الغربي بشكل عام والمشروبات الغربية بشكل خاص لدرجة أنه لا يملك حتى آلة اسبريسو خاصة به !!. ما هو ردك على هذا الكلام ؟
– أقول أن هذا الكلام عاري من الصحة تماما فنحن لسنا ضد التطوير والحداثة إطلاقا بل بالعكس نسعى لمواكبة العصر بشرط أن لا نتخلى عن ثقافتنا العربية الخاصة بنا , فكما ترى بنفسك وسائل الاتصالات متاحة كالانترنت مثلا وجميع مشروبات القهوة متوفرة شرقية كانت أم غربية وهاهي الماكينة الخاصة بنا تراها بنفسك . ربما اختلط الأمر على البعض بين مقاطعة المشروبات الأمريكية كالبيبسي مثلا أو منع دخول الوفود الأجنبية المشبوهة إلى المكان وهذا نابع من الحس الوطني وتضامنا مع إخوتنا في فلسطين المحتلة وهذا حق شرعي يكفله لنا القانون وحرية الرأي والتعبير في الأردن ربما لهذه الأسباب دفعت البعض للظن بهذا الاعتقاد الخاطئ .
– من هم ابرز المشاهير الذين زاروا جفرا ؟
– هناك الكثير جدا من المشاهير في العالم العربي والأجنبي من أدباء ومفكرين وفنانين قاموا بزيارتنا . ربما لا تسعفني الذاكرة لذكرهم جميعا ولكن على سبيل المثال الشاعر محمود درويش والشاعر سميح القاسم ومن الفنانين على ما أذكر الفنان محمد صبحي والفنانة القديرة سميحة أيوب والكثير الكثير , أريد أن انوه أننا سنقوم بأرشفة كافة الأحداث الخاصة بمقهى جفرا خلال الفترة القادمة إن شاء الله .
– هل لديكم فروع أخرى داخل مدينة عمان ؟
– لا ليس لدينا أي فرع أخر لمقهى جفرا داخل العاصمة عمان ولكن لدينا فرع جفرا في مدينة العقبة السياحية , فنحن لا نستسيغ فكرة وجود مقهى أخر يحمل اسم جفرا في العاصمة فهذا في اعتقادنا يفقد المكان جوهر وجوده ( جذب الزوار إلى وسط البلد ).
– هل افهم من ذلك أنكم لا تمانعون من نشر أسم جفرا في عواصم عربية أخرى ومنح امتياز الاسم ؟
– لا بالعكس نرحب بذلك ولكن بشرط أن يكون مقهى جفرا بيروت او دمشق أو الرياض أو أي عاصمة عربية أخرى تحمل روح وفكرة وفلسفة جفرا عمان .
– أستاذي الفاضل لاحظت بعض أعمال الترميم تقام حاليا في المبنى هل يمكنك توضيح السبب من هذه الأعمال الإنشائية ؟
– بالفعل فنحن حاليا نقوم بتجهيز بازار جفرا لعرض المقتنيات التراثية و الأثرية في الطابق الأرضي كما تم الانتهاء من إنشاء الحمام العربي ذو الطابع المعماري الدمشقي الذي جمع بين الأصالة الدمشقية وعراقة عمان . إضافة لافتتاح فندق شرقي في الطابق قبل الأخير مكون من عشرون غرفة مستقلة .
– أستاذ زكريا لا يسعني في نهاية حديثنا سوى أن أشكرك على حسن استقبالك ودماثة أخلاقك الكريمة متمنيا لكم مزيد من التقدم والازدهار وأتمنى أن لا يتخلى مقهى جفرا عن جفرا ويواصل القبض على فكرته وفلسفته الخاصة التي عشقناها .
– بدوري أشكرك جزيل الشكر على هذا اللقاء الشيق كما أعدك بأننا لن نتخلى يوما عن حلم جفرا .
– كلمة أخيرة لرواد موقع لغة القهوة
– الحلم يبدأ بفكرة والفكرة يمكن أن تحققها بالعزيمة والإصرار وعدم التردد بهذا سيكون النجاح حليفك بتوفيق من الله عز وجل .